القاهرة (الاتحاد)
«ثمود» قبيلة مشهورة، تنسب إلى جدهم ثمود ابن عابر بن إرم بن سام بن نوح، من العرب العاربة، يسكنون «الحِجر» بين الحجاز وتبوك، بعد قوم عاد، يرجع تاريخها إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد «3000 - 2500 ق. م»، يعملون بالتجارة ويحرسون الطريق التجاري بين الشام واليمن، ويعبدون الأصنام، فبعث الله فيهم «صالح» عليه السلام، فدعاهم إلى عبادة الله وحده، وأن يخلعوا الأصنام، هيأ الله لهم الأرض يبنون فيها القصور، وهم أول من نحت الجبال واتخذوا منها بيوتاً فارهة، حاذقين في صنعتها وإتقانها وإحكامها.
قال تعالى: (وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ * وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ * وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ)، «سورة الحجر: الآيات 80 - 82»، وقال سبحانه: (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)، «سورة الأعراف: الآية 74»، وقال: (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ)، «سورة الشعراء: الآية 149»، وقال تعالى: (وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ)، «سورة الفجر: الآية 9».
قال المفسرون، أول من نحت الجبال والصور والرخام «ثمود»، فبنوا من المدائن ألفاً وسبع مئة مدينة كلها من الحجارة، ومن الدور والمنازل ألفي ألف وسبع مئة ألف كلها من الحجارة، قال محمد بن إسحاق، وكانوا لقوتهم يخرجون الصخور وينقبون الجبال ويجعلونها بيوتا لأنفسهم بالوادي، أي بوادي القرى بين الجبال، وينقبون في الجبال دوراً وأحواضاً.
ولا تزال مدائنهم قائمة إلى الآن، حيث برعوا في نحت الصخور والإبداع في تشكيلها، وصنعوا منها البيوت والقصور العظيمة، وأعطاهم الله نعما ورزقاً كثيراً، ولكنهم كفروا النعمة وجحدوها وعبدوا الأصنام، واستخدمت المباني المظلمة المنحوتة في الجبال كمعابد وأماكن لطقوس روحية وثنية، واستخدمت كقبور وملاجئ من الكوارث الطبيعية، وكوسيلة للاستكبار، عن طريق الإسراف المفرط في إنشائها من دون حاجة لسكناها، يتخذونها أشراً وبطراً وعبثاً، وكانوا حاذقين متقنين لنحتها ونقشها.
وقال الدكتور زغلول النجار، أستاذ علوم الأرض والباحث المتخصص في الإعجاز العلمي، تؤكد الآيات أن قوم «ثمود» سكنوا منطقة «الحِجر» وما حولها، ولذلك سماهم القرآن الكريم «أصحاب الحِجر»، و«مدائن صالح» في «الحجر» قائمة على هيئة العديد من القصور والبيوت، والدواوين والمقابر المنحوتة في صخور جوانب وادي القرى، وفي كتل صخرية هائلة، جلبت إلى بطن الوادي، كما وصف القرآن الكريم، مما يؤكد أن هؤلاء القوم كانوا عمالقة جبارين، ابتلاهم الله ببسطة في الجسم، وسعة في الرزق، فأصابهم ذلك بشيء من الاستعلاء في الأرض، فكانوا يقطعون قطعاً ضخمة من الصخور ويأتون بها إلى بطن الوادي لنحتها وتشكيلها على هيئة القصور، والدواوين والبيوت، التي تشكل بعضها من أكثر من طابقين، بالبوابات، والدرج والمداخل، والنوافذ والشرفات، والأعمدة المنقوشة بالزخارف المتقنة الصنع إلى درجة مذهلة، وتجاويف كل من الغرف والممرات والأبواب والنوافذ والشرفات، وساعدهم على ذلك قلة تماسك الصخور، وسهولة تشكيلها، مع تباين ألوانها من البياض إلى الصفرة والحمرة، كذلك قاموا بنحت كل ذلك في الجبال المحيطة بالوادي من جانبيه.
و«مدائن صالح» بقصورها، ودواوينها ومساكنها المنحوتة في الجبال، تمثل نموذجاً معمارياً فريداً، مقسماً بعدد من الشوارع الفسيحة المستقيمة، والمنظمة بدقة والمقطوعة في الكتل الجبلية المكونة للمنطقة، مما يدل على الجهود الجبارة التي بذلت في تخطيط وإنشاء تلك المدينة الفريدة، من نوعها، وبعض جبالها مفرغة من الداخل هندسيا، يجعل منها السكن والحصن.